هذا الكتاب يكشف الكثير من الحقائق حول السياسات التي اتخذها الغرب، وطرق الهيمنة الحديثة للتحكم في العالم من خلال ثلاثة مشاهد رئيسية في ثلاثة فصول، المشهد الأول في اندونيسيا كمثال للتلميذ النموذجي لسياسة العولمة وكيف تدخلت تلك القوى الخفية في تحولها من دولة ديمقراطية لها استقلالها، لدولة خاضعة للهيمنة الخارجية، وكيف أثر ذلك على حياة الشعب، وكيف زادت نسب الفقر والبطالة بسبب تلك السياسات حتَّى وصلت لأرقام مرعبة، ليأتي المشهد الثاني في العراق ومأساة حصاره وآثاره على الشعب العراقي، والتحكم في الأدوية والأغذية التي تدخل للعراق، وبرنامج (النفط مقابل الغذاء ) وما تعرض له من مآسي القصف، لننتقل للمشهد الثالث في أفغانستان وادعاءات الحرب على الإرهاب، والحقائق الخفية حول التوجه لتلك المناطق تحديدًا ومحاولات السيطرة عليه.
في هذا الفصل يقوم الكاتب بعرض تجربة (اندونيسيا ) وتحولها حتى أصبحت تحت سيطرة سياسات البنك الدولي، وكيف أصبحت "التلميذ النموذج للعولمة " وهو اللقب الذي أطلقه عليها البنك الدولي، مع شهادات لمن عاصروا تلك الفترات سواء من سجنوا وعذبوا أو بعض القيادات التي التقى بهم الكاتب، تصف بدقة ما حدث في ذلك الوقت من انقلابات ومجازر وتحولات جذرية في البلاد.
(اندونيسيا ) دولة تقع في جنوب شرق أسيا، ولننظر إلى تاريخ (اندونيسيا ) منذ انتهاء الاحتلال الهولندي وبالتحديد منذ أصبحت دولة مستقلة برئاسة "أحمد سوكارنو " الذي نال شهرة واسعة لنضاله المستمر في سبيل استقلالها والحفاظ عليها وزرع الاستقرار فيها، ورغم ذلك فلقد أثار ضده القوى الغربية لتوجهاته ضد السياسة العالمية في ذلك الوقت؛ فمن المعروف عنه - حسب أقوال من عاصروا تلك الفترة - أنه كان يحب أمريكا، ولكنه يرفض تطبيق سياساتها الاقتصادية في بلاده؛ لأنه يعتبرها تعديًا على حرية واستقلال البلاد. وكان من ضمن ما فعله لإثارة غضبهم وخوفهم (المؤتمر الأسيوي – الأفريقي ) ، وهو أول مؤتمر يُعقد من أجل الدول النامية وتحديد مصالحها المشتركة؛ فخشيت تلك القوى الغربية من تلك التحالفات التي قد تضر بفكرة الاستعمار الجديد؛ ولهذا كانت تلك القوى تبحث عن طريقة لإزاحته عن طريقها؛ لأنه يعوق تنفيذ خططها أو الحفاظ على مصالحها في البلاد، ووجدوا ضالتهم في الجنرال "سوهارتو " الذين ساندوه للتخلص من "سوكارنو " ؛ فاستخدموا "البروباجندا " أو "الدعاية السوداء " ، وأُشيع عن "سوكارنو " أنه يساند الحزب الشيوعي، وأن له أعمالا قمعية ويجب التخلص منه. وكانت تلك البداية حتى وصل "سوهارتو " إلى الحكم، والذي قام بالكثير من المجازر الدموية من أجل تثبيت حكمه والتخلص من الشيوعيين بمساعدة القوى الغربية؛ فحدثت الكثير من الاغتيالات والمجازر الجماعية بالإضافة لمن سجنوا وعذبوا، كل ذلك بمباركة القوى الغربية التي لم ترَ فيما يحدث أي خطأ، وأنه لا ينتهك حقوق الإنسان، ولكنه طريق حتميٌّ يجب أن يتبع من أجل الاستقرار.
ومن هنا بدأت السياسات الغربية في التدخل في (اندونيسيا ) وتطبيقها بشكل رسمي بمساعدة "سوهارتو " حتى أننا يمكن أن نقول إن جنين العولمة في آسيا قد بدأ حياته في رحم حمام الدم الاندونيسي؛ فقد بدأت المؤتمرات التي جمعت الشركات الكبرى لتقسيم المصالح عليهم في (اندونيسيا ) دون تدخل من الدولة أو حكومتها؛ لتصبح (اندونيسيا ) نموذجًا للتحول والعولمة، والتي ظهرت آثارها بعد ذلك على الشعب؛ حيث إن "النجاح الاقتصادي الديناميكي المزدهر " حسب وصف البنك الدولي ترك خلفه 70 مليونًا في فقر مدقع، ونسبة عالية من البطالة، وكان من يعملون يأخذون أجورًا أقل من نصف تكاليف المعيشة، ناهيك عن المستعمرات التي يعيشون فيها بجانب المصانع والتي لا يوجد فيها أساسيات الحياة الآدمية؛ فأغلبهم هاجروا من الريف إلى المدينة بحثًا عن عمل بعد تقلص مساحات الأرض الزراعية بعد تنفيذ نصيحة البنك الدولي بزراعة المحاصيل النقدية فقط؛ فتسبب ذلك بهجرة الكثيرين للمدينة، ومن كان منهم يجد عملًا كان يحافظ عليه بأي شكل؛ حيث يعتبر نفسه محظوظًا حتى وإن لم يكن راتبه يكفيه.
يقول المسئولون عن البنك الدولي في (اندونيسيا ) إن مهمة البنك الإقلال من الفقر والنهوض بمستوى الفقر، ولكنهم لا يهتمون بما يحدث فعليًا للمواطنين ونسبة الفقر التي وصلوا إليها، كما أن أفعالهم وأقوالهم متضاربة؛ ففي إحدى المرات منحوا قرضًا لبناء فندق بحجة توفيره لوظائف منتظمة، ولكن الفندق فصل العمال بعد ذلك بسبب احتجاجهم على انخفاض الأجور.
(اندونيسيا ) تحولت بسبب تلك السياسات من دولة غير مدينة لدولة مدينة بالكثير للبنك الدولي؛ حتى أنها لا تستطيع سداد أي شيء، ورغم كل تلك المساوئ التي أصابت البلاد فإنَّهم لا يزالوا ينظرون إليها على أنها ازدهرت اقتصاديًا دون النظر لما يحدث للفقراء من زيادة فقرهم وعوزهم، وربما موتهم بسبب الإهمال وعدم قدرتهم على علاج أنفسهم، ورغم ذلك تظل (اندونيسيا ) هي التلميذ النموذج لتطبيق سياسة العولمة من ناحية إيجابية من ناحيتهم، وهو ما لا نراه في الواقع.
من يدفع الثمن في العراق؟
إن كل ما يحدث لا أحد يدفع ثمنه سوى الشعب من دماء أبنائه وثرواته. إن كل ما حدث ويحدث بسبب النفط؛ فمع ظهور النفط في أواخر القرن التاسع عشر، عملت القوى الأوربية على السيطرة على منافذ وجود النفط خاصة مع ضعف دور الدولة العثمانية، وقاموا بتقسيم إمبراطوريتها عليهم. وكانت العراق من نصيب بريطانيا، وأقاموا عليها "الملك فيصل " ، وكانوا قادرين على اللعب به حتى انتهت فترة الملكية على يد "عبد الكريم قاسم " الذي راح ضحية الصراعات؛ حيث تبنى النظام الاشتراكي العربي وهو ما أقلق الشركات المستغلة للنفط العراقي من محاولة التأميم؛ فعملت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على التخطيط للقضاء عليه بما سُمي "الانقلاب المفضل ".
إن القوى الغربية – وبخاصَّةٍ الأمريكية، تدير الأمور كما يحلو لها؛ فقد ساعدت النظام البعثي في العراق في تقوية نفوذه وسيطرته على البلاد وتسليحه ثم تحريضه ضد الثورة الإيرانية لتستنفذ قوى الجانبين، وبعدها أراد حكام العالم الجدد أن يقضوا على قوة "صدام حسين " ؛ فأغروه بالهجوم على الكويت ووعدوه بأنهم لن يتدخلوا فيما سيفعل؛ فدُمِّرت قوته، ثم فرضوا علي العراق حصارًا اقتصاديًّا خانقًا دفع ثمنه الشعب؛ حيث منعت الأغذية والأدوية من الدخول إلى العراق، وعلى الرغم من المحاولات التي حدثت لإدخال المواد الأساسية لهم إلا أن لجنة العقوبات رفضت ذلك، في الوقت الذي أصيب فيه الأطفال بتشوهات بالغة، وزادت نسبة الإصابة بالسرطان بشكل مرعب، ومع عدم توفر الأدوية اللازمة لعلاجهم؛ فكان الموت مصيرهم المحتوم.
إن كل ما يُقال عن عدم استخدام مواد نووية في الحرب محض هراء؛ فكيف أصيب كل هؤلاء بهذا المرض الفتاك دون أي تاريخ مرضي لعائلاتهم؟، وهذا ما أكده المعاصرون في تلك الفترة أيضًا، مثل الفيزيائي العسكري الأمريكي"دوج روكي " ، وهو الذي أشرف على تنقية الكويت من التلوث الكيميائي، والذي أصيب هو ذاته بنفس الأمراض؛ فجسمه يحمل خمسة آلاف ضعف المستوى المقبول من الإشعاع، فكيف ينكرون وجود مواد إشعاعية؟
وعلى الرغم من كل الدراسات التي نشرت في ذلك الوقت على أن العراق مقبل على كارثة صحية، وأن نسبة الوفيات، وخاصة من الأطفال، أصبحت تتزايد بشكل مرعب، إلا أن كل هذا لم يؤثر في قرار لجنة العقوبات، حتى أنه في إحدى الدراسات قيل إن "العقوبات الاقتصادية ربما تكون قد قضت على حياة أناس في العراق يفوقون في عددهم جميع الذين لقوا حتفهم بفعل جميع أسلحة الدمار الشامل على مدى التاريخ ". وأقر مجلس الأمن بعد فترة أن الحظر يمكن أن ينتهي في حالة تخلص العراق من أسلحة الدمار الشامل. وعلى الرغم من إعلان انتهاء البحث عن الأسلحة إلا أن الوضع لم يتغير كثيرًا، حتى أصبح من الصعوبة تطبيق نظام "النفط مقابل الغذاء "، وأصبح هناك الكثير من المماطلة.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان