يتحدث الكتاب عن عقوبة الإعدام ومدى أخلاقيتها وجدواها. هل يمكننا أن نحكم على الآخرين بالموت؟ هل حقًا عقوبة الإعدام عقوبة لا بد منها؟ أم من الممكن الاستغناء عنها؟ كيف تؤثر على الناس؟ وكيف يتعامل معها الإعلام؟ هل يمكن أن يكون الحكم مؤكدًا بدون أي شكوك حول البراءة؟وما علاقة عقوبة الإعدام بالدين؟
قبيل حرب عام (1914م)، في مدينة الجزائر، حُكم بالإعدام على قاتل ارتكب جريمة بشعة؛ فقد ذبح أسرة من المزارعين مع أطفالها. ساد وقتها اعتقاد بأنَّ قطع الرأس هو عقوبة خفيفة بالنسبة لهذا الشخص. وحرص والد (ألبير كامو) على أن يشهد تنفيذ الحكم وسط تجمهر كبير من الشعب، ولكنه عاد متجهم الوجه ورفض أن يتكلم ثم أخذ يتقيأ. فبدلًا من التفكير بالأطفال المذبوحين، لم يعد بوسعه إلا أن يفكر بهذا الجسم الذي أُلقي به لتقطع عنقه.
حين تدفع عقوبة الإعدام الرجل المفروض أن تحميه إلى الغثيان، يصبح من الصعب الزعم بأنها تهدف إلى إحلال المزيد من الأمان والنظام في المجتمع، بل تظهر الحقيقة بأنَّ هذه العقوبة لا تقل وحشية عن الجناية وتعتبر جريمة جديدة.
لقد اعتاد الصحفيون والموظفون المكلفون بالحديث عن العقوبة على استخدام صيغٍ معينة، فكل ما يُقال هو أنَّ المحكوم عليه قد سدد دينه تجاه المجتمع، دون ذكر تفاصيلٍ أخرى، ولا يجرؤ أحد على الكلام بشكلٍ مباشر، وكأنهم مدركون لما فيه من عار. ونحن نعرف أنَّ المرض يكون خطيرًا حين لا نجرؤ على الكلام عنه مباشرةً. إنَّ عقوبة الإعدام لم يكن من الممكن أن تستمر لولا عدم مبالاة الرأي العام أو جهله، هذا الرأي العام لا يعبر عن رأيه إلا بالجمل التي تلقنها له الصحف ووسائل الإعلام. لكن إذا ما أظهرنا المقصلة وجعلناه يلمس الخشب والحديد وأسمعناه صوت الرأس الذي يسقط، سيستنكر في آنٍ واحد كل هذا القدر من التنكيل.
من المعروف أنَّ الحجة الكبرى لأنصار عقوبة الموت هي عبرة القصاص. فالرؤوس لا تُقطع لمعاقبة أصحابها فقط، بل لتخويف من يفكر في تقليدهم من خلال مثال مُخيف. والمجتمع لا ينتقم، بل يريد أن يقي نفسه.
إذن كيف يمكننا الرد على أنصار عقوبة الإعدام؟
إنَّ المجتمع نفسه لا يؤمن بالعبرة التي تنتج من الإعدام، ولو كان يؤمن بذلك لأظهر الرؤوس ولأتبع عمليات تنفيذ الإعدام بحملة دعائية، ولنصبت المقصلة في ساحة كبيرة يُدعي إليها الشعب لمشاهدة الحدث. ونحن نعرف أن عمليات الإعدام لم تعد تتم بشكلٍ علني في فرنسا منذ عام (1939م)، بل تجرى في السجون أمام عدد قليل من الأخصائيين، وقليل من يعلم عنها شيئًا. فكيف لجريمة قتلٍ سرية تُقترف ليلًا في سجن أن تكون ذات عبرة؟ لا تستطيع عقوبة الإعدام أن تخيف من لا يعرف أنه سيقتل في لحظة مفاجئة، ولم يثبت أيضًا أنَّ عقوبة الإعدام قد جعلت قاتلًا واحدًا، مصممًا على أن يكون قاتلًا، يتراجع عن ذلك. بالتالي، لم يعد لها أي تأثير على آلاف المجرمين. كما أن تقريرنا أن رجلًا ما ينبغي أن يحل به العقاب الأقصى، يعني أننا قررنا أن هذا الرجل ليس له الحق في التكفير عما فعله وهذا ليس من حق أحد؛ فهذا يجعلنا نكون الخصم والحكم. ولا يستطيع إنسان أن ينزل نفسه بمنزلة القاضي المطلق وأن يصدر حكمه بإنهاء وجود أسوأ المجرمين؛ فهو ليس إلهًا، كذلك إنَّ فصل الإنسان عن المجتمع فصلًا مطلقًا من خلال إعدامه لأنه شرير شرًا مطلقًا، يساوي قولنا أنَّ المجتمع خيِّر خيرًا مطلقًا، وهذا ما لن يصدقه إنسان عاقل.
وهناك دلائل على أن هذه العقوبة ليست رادعًا؛ ففي العصر الذي كان النشَّالون فيه يُعدمون في إنجلترا، كان لصوص آخرون يستمرون في السرقة وسط الجمهور المحتشد حول المشنقة التي يُشنق عليها زميلهم. وقد أُجري إحصاء في إنجلترا يظهر أنَّ (170) من أصل كل (250) مشنوقًا قد سبق لهم وشهدوا تنفيذ إعدام أو إعدامين. وفي عام (1886م)، كان (164) من أصل (167) محكومًا عليه بالموت في سجن بريستول، قد شهدوا تنفيذ إعدام واحد على الأقل. وكذلك الإحصائيات التي تخص البلدان التي ألغت عقوبة الإعدام، تظهر أنه ما من ترابط بين إلغاء العقوبة والإجرام، فالإجرام لا يزيد أو ينقص.
وإذا نظرنا حاليًا إلى الدولة التي تحيط عمليات التنفيذ بالسرية وتخفي الشهادات التي تصف حالة المحكوم عليهم، سنجد أنها لا تؤمن بقيمة العبرة في العقوبة. إنهم يقتلون المجرم لأنهم كانوا يقتلونه منذ قرون، ويتبنون الحجج التي شاعت منذ قرون أيضًا، ويطبقون قانونًا دون أن يناقشوه. فالمحكوم عليهم يموتون باسم نظرية لا يؤمن بها المنفذون.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان