الاتحاد الأوروبي هو مؤسسة دولية تضم بداخلها العديد من الدول التي قررت التعاون مع بعضها البعض بهدف تحقيق المصالح المشتركة وتبادل المنفعة الاقتصادية، وقد توسعت مهام الاتحاد الأوروبي الاقتصادية لتشمل بعد ذلك التدخل في مشكلات السياسة وتحقيق السلام، ويعتبر فوزه بجائزة نوبل للسلام عام 2012 م بمثابة تجسيد لنجاحه المبهر على مرّ العقود حتى مع وجود بعض الصعوبات والتحديات التي تواجهه.
انتهت الحرب العالمية الثانية (1939- 1945 م) تاركة كافة دول (أوروبا) تعاني من العديد من المشكلات من بينها غياب الأمن والسلام، بالإضافة إلى التدهور والتراجع الاقتصادي الناتج عن الحرب. لم تكن مهمة تحقيق السلام الدائم بالمهمة السهلة لا سيما مع عدم قدرة الدول الأوروبية على التعايش مع ما قامت به (ألمانيا) خلال الحربين العالميتين ورغبتهم في حرمان (ألمانيا) من أي صورة من صور القوة سواء كان ذلك عسكريًا أو اقتصاديًا، لكن كانت محاولة إخضاع (ألمانيا) بعد الحرب العالمية الأولي (1914- 1918 م) التي فشلت فشلاً كارثيًا نتج عنه وصول النازيون إلى حكم (ألمانيا) واشتعال الحرب العالمية الثانية لا تزال ماثلة أمام بقية دول (أوروبا).
لذا فقد وجدت (فرنسا) والبلدان الأوروبية أن أفضل الحلول هي دمج (ألمانيا) في مؤسسات قوية تضم بقية الدول الأوروبية بما يربط مصالحهم جميعًا معًا ويجبرهم على التعاون والتعايش بشكل سلمي؛ فأعلن وزير الخارجية الفرنسي (روبرت شومان) عام 1950 م قيام (الجماعة الأوروبية للفحم والصلب) التي كانت بمثابة الشكل الأولي الذي سيصبح عليه الاتحاد الأوروبي فيما بعد في الشكل الذي هو عليه الآن، وبالإضافة إلى (فرنسا) و(ألمانيا)، كانت (بلجيكا) و(إيطاليا) و(لوكسمبورج) و(هولندا) يمثلون بقية الدول المؤسّسة لتلك الجماعة الجديدة.
أما (بريطانيا) التي كانت لم تتذوق مرارة الهزيمة والاحتلال أمام (ألمانيا) أثناء الحرب العالمية الثانية، وتمكنت من الحفاظ على إمبراطوريتها، لم تجد أي سبب يدفعها إلى أن تتقاسم سيادتها على العالم و(أوروبا) مع دول أخرى؛ لذا نجد أن الغرض الاقتصادي من إنشاء الاتحاد الأوروبي قد لعب أيضًا دورًا هامًا ليس فقط في تغيير الموقف البريطاني، بل في النهوض كذلك باقتصاد الدول الأعضاء من خلال إنشاء السوق المشتركة وتحقيق التجارة الحرة والمتبادلة في السلع.
لم يكن من المنتظر أن يُصنع الاتحاد الأوروبي بشكل كامل ونهائي بين ليلة وضحاها، وهو ما عبّر عنه (روبرت شومان) رئيس الوزراء الفرنسي بوضوح في إعلانه عن قيام تلك المؤسسة؛ حيث أوضح أن ذلك الكيان وما سيصاحبه من مؤسسات وصلاحيات ومعاهدات سيتم خطوة بخطوة بناءًا على الثقة المكتسبة من نجاح الخطوات السابقة. وقد تمثلت الخطوة الأولى في إنشاء الجماعة الأوروبية للفحم والصلب برئاسة (جان مونييه) الذي كان مسئولاً منذ البداية عن صياغة إعلان (شومان)، وقد أصرّ (مونييه) على ضرورة إنشاء سلطة تشريعية وأخرى قضائية تنظم مسائل وقضايا الجماعة، وهو ما نتج عنه إنشاء منظمات الجماعة التي تتمثل في المجلس البرلماني ومحكمة العدل والمفوضية الأوروبية ومجلس لوزراء الدول الأعضاء.
كانت الدول الأعضاء ترغب في المضي قدمًا إلى ما هو أبعد فيما يتعلق بالتعاون والتكامل فيما بينها؛ لذا فقد تم تقديم اقتراح إنشاء جماعة دفاع أوروبية ليصبح التعاون على المستوى العسكري أيضًا، وعلى الرغم من موافقة العديد من الدول على هذا الاقتراح فإن تصويت الجمعية الوطنية الفرنسية برفضه عام 1954 م، دفع (فرنسا) إلى رفضه وظلت فكرة تعاون دول الاتحاد على مستوى الدفاع فكرة محظورة حتى التسعينات. أما من ناحية التعاون على المستوى الاقتصادي فقد اقترحت (هولندا) إقامة سوق مشتركة عامة ساندته (بلجيكا) و(ألمانيا) ووافقت عليه (فرنسا) ولكن مع عدد من الشروط.
كان من بين تلك الشروط مساواة النساء في الأجور بين عموم الجماعة؛ فبدون ذلك الشرط كانت الصناعة الفرنسية ستشهد تراجعًا ملحوظًا أثناء التنافس مع بقية أعضاء الجماعة نتيجة ارتفاع أسعار منتجاتها وذلك لارتفاع نسبة أجور العاملين فيها؛ حيث كانت (فرنسا) ملزمة بتطبيق المساواة في الأجور بين الرجال والنساء من قبل القانون الفرنسي، وقد شمل ذلك التعاون الاقتصادي أيضًا إنشاء البنك الأوروبي الاستثماري، والصندوق الاجتماعي، وحرية حركة وتنقل الأيدي العاملة، وإنشاء الجماعة الاقتصادية الأوروبية، وقد تم وضع كافة تلك العناصر المتفق عليها في معاهدتي (روما) عام 1958 م.
وعلى الرغم من النمو الاقتصادي الملحوظ الذي حققته الجماعة في مطلع الستينات والذي بلغ نحو 5% سنويًا، بدأت الجماعة تواجه بعض الأزمات، كان من بينها استخدام بعض الدول لحق النقض (الفيتو) بشكل قومي أحادي الجانب وهو ما يتناقض مع التعاون والشراكة التي تصبغ علاقات الدول الأعضاء في الجماعة، وقد وضعت تلك المسألة محل نقاش في تسوية (لوكسمبورج) عام 1966 م وعلى الرغم من تمسك (فرنسا) بحق الفيتو الخاص بها فقد أكدت بقية الدول الأعضاء على التزامها بالتصويت بالأغلبية المشروطة.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان