كانت منطقة الشرق الأوسط -ولازالت -محل نزاع وصراع بين مختلف القوى الاستعمارية في العالم. وقد كانت (ألمانيا) إحدى تلك القوى التي ربطتها مع منطقة الشرق الأوسط العديد من العلاقات على مر التاريخ، والتي اختلفت من حيث قوتها وضعفها وفقًا للسياسات والقرارات التي كانت تتبعها (ألمانيا) في المنطقة.
(ألمانيا) قبل قيام الحرب العالمية الأولى كانت تربطها علاقات سياسية جيدة مع السلطنة العثمانية الحاكمة لمنطقة الشرق الأوسط في ذلك الوقت، وهو ما عمل (تيودور هرتزل) مؤسس الصهيونية على استغلاله لصالح نظريته. ففي الوقت الذي فشل فيه في إقناع السلطان العثماني بإقامة دولة لليهود في (فلسطين)، أصبح يبحث عمن يدعمه، ويدعم مشروعه لدى السلطان العثماني وقد تمثل ذلك في شخص القيصر الألماني (فيلهلم الثاني)؛ لذا عزم (هرتزل ) على الذهاب إليه ومحاولة إقناعه بضرورة قيام وطن لليهود حتى وإن كان ذلك يعني الاضطرار إلى دفع فوائد باهظة من أموال الأرستقراطية اليهودية.
كان القيصر (فيلهلم الثاني) يرى أن تدفق الأموال من اليهود سيمكن (ألمانيا) و(تركيا ) من إقامة خط سكة حديد بغداد دون حاجة إلى مساعدة الشركات الأجنبية، وقد عبر القيصر عن ذلك قائلاً أنه "يتعين من وجهة النظر الغربية والسياسة الواقعية، عدم إغفال القوة الهائلة التي يمثلها رأس المال اليهودي العالمي، وعلى الرغم من خطورة تلك القوة؛ فإنها ستكون مكسبًا عظيمًا لألمانيا". لم يدخر القيصر الألماني كثير من الوقت وسرعان ما بدأ في التحرك فقام بزيارة الأراضي المقدسة عام 1898 م في موكب عظيم ضم كثير من رجال الدين وأكثر من 500 شخص آخرين أتوا على متن أربع سفن، قامت كتيبة من الجيش التركي بحمايته.
وقد مرّ القيصر خلال زيارته على المستوطنة الإسرائيلية (ميكلي إسرائيل) وهي أحدي المستوطنات التي تمت في المرحلة الأولى من مشاريع الاستيطان التي كانت تدعمها (إنجلترا)، وقد اجتمع فيها القيصر مع (هرتزل) بشكل قصير، لكن ذلك الاجتماع تكرر مرة أخرى حين استقبل القيصر في مخيمه في القدس (هرتزل)؛ كي يسأله عما يتعين عليه مطالبة السلطان به، فأجابه (هرتزل ) "شركة لشراء الأراضي تحت الحماية الألمانية"، لكن السلطان العثماني رفض ذلك العرض بشكل قاطع وحاسم معلنًا أن على اليهود أن يوفرّوا ملايينهم وأنهم لن يتمكنوا من الحصول على فلسطين إلا إذا تمكنوا من تفتتيت جثث العرب جميعًا.
كان ذلك التصريح بالنسبة إلى القيصر (فيلهلم الثاني) الذي يسعى للحفاظ على العلاقات السياسية والمصالح الاقتصادية بينه وبين السلطنة العثمانية بمثابة إنذار لعدم دعم قيام دولة يهودية على أرض فلسطينية، وحصلت (ألمانيا) من الدولة العثمانية بعد ذلك على امتياز بناء سكة حديد بغداد الذي كانت ترغب في الحصول عليه فيما سبق، وسنجد أن هذا التقارب في العلاقات لم يقتصر على العلاقات الاقتصادية فحسب، بل شمل أيضًا المجال العسكري حيث تولى الظباط الألمان مهمة تدريب وقيادة الجيش العثماني.
لم تكن تلك العلاقة الجيدة التي ربطت بين (ألمانيا) ومنطقة الشرق الأوسط في تلك الفترة سوى لأجل المصالح الاقتصادية. وهو السبب نفسه الذي كان يدفع (ألمانيا) والقيصر (فيلهلم الثاني) لدعم المشروع الصهيوني في فلسطين لأجل الحصول على الرأسمال اليهودي، لكنها سرعان ما تخلت عن تقديم ذلك الدعم حين وجدت أنه سيكون سببًا في خسارتها لمصالح أكثر أهمية واستمرارية مع الدولة العثمانية.
عندما أعلنت (إنجلترا) الحرب على (ألمانيا ) أثناء الحرب العالمية الأولى، سعت (ألمانيا) إلى تجريدها من كافة مناطق نفوذها ومستعمراتها في الشرق الأوسط وتحديدًا (مصر) و(الهند)، كما سعت في الوقت نفسه إلى استغلال الجيش التركي وإثارته للدخول معها في تلك الحرب "المقدسة " من خلال إقناع الدولة العثمانية بأنه على العالم الإسلامي أن ينتصر على تلك القوى الاستعمارية المتمثلة في (الحلفاء) والتي تضم كل من (إنجلترا) و(فرنسا ) و(روسيا )؛ حيث كتب إحدى الرجال الألمان أنه " في الصراع المفروض علينا ضد إنجلترا، فإن الإسلام سيكون أحد أهم أسلحتنا، إن تدخل الإسلام في الحرب، ستكون ضربة رهيبة لبريطانيا بشكل خاص"
وقد عملت (ألمانيا ) بمساعدة الجيش التركي على القيام بالعديد من العمليات التخريبية في (مصر ) لتحريك المقاومة ضد (إنجلترا )، وقد كان من بينها عملية إغراق سفينة في قناة السويس لتعطيل حركة المرور فيها. وحين فشلت عملية قناة السويس أعدت (ألمانيا ) وحدة تتكون من 16 ألف جندي تركي لشنّ هجمة عسكرية على (مصر ) والتوجه تحديدًا ومرة أخرى نحو قناة السويس التي تتركز فيها الكثير من المصالح الإنجليزية، كما قامت بإثارة حملات مقاومة ضد الاستعمار الإنجليزي في كل من (أفغانستان ) عام 1914 م و إيران عام 1918 م.
كذلك اعتمدت (ألمانيا ) على الجيش التركي في مهاجمة الروس، وهو الأمر الذي استغلته الدولة العثمانية لتصفية حساباتها مع الأرمن؛ حيث قامت بالهجوم على الأقليم الأرمني الواقع تحت السيطرة الروسية، وحين حاولت (روسيا ) أن تكسب دعم كتائب الأرمن ودعوتها للمشاركة معها في تلك الحرب في مقابل منحها حق تأسيس دولة مستقلة لها، أعلنت الدولة العثمانية بتاريخ 27 مايو 1915 م القضاء على الأرمن. هكذا وببساطة تمكنت الدولة العثمانية من استغلال تلك الحرب الدائرة بينها وبين (روسيا ) للقضاء على ما يتراوح بين 800 ألف و 1.5 مليون ضحية من الأرمن.
من ناحية أخرى، أدركت (إنجلترا ) مدى اعتماد (ألمانيا ) على تحالفها مع السلطنة العثمانية؛ لذا فقد سعت إلى كسب الشعوب العربية إلى صفها وشحنهم ضد السيطرة العثمانية كما وعدتهم بالتحالف معهم كي يتمكنوا من إجلاء العثمانيين عن أراضيهم. هكذا انعكست الأدوار وتحول العرب من الاشتراك مع الدولة العثمانية في الحرب ضد (إنجلترا ) إلى الحرب مع (إنجلترا ) ضد الدولة العثمانية، و تمكنت (إنجلترا ) من انتزاع السيطرة العثمانية في كثير من المدن من بينها (بغداد ) و(بئر سبع ) و(غزة ) بالإضافة إلى (القدس ) التي ستقع في أيدي الإنجليز لأول مرة بعد أن سيطر عليها العثمانيين لمدة 673 عامًا.
واستمرت الهزائم العثمانية في التوالي في كافة معارك الحرب العالمية الأولى، وهو ما أضعف بدوره موقف القوات الألمانية في تلك الحرب، وفي عام 1918 م تم توقيع هدنة بين السلطنة العثمانية وقوى الحلفاء. كما تم السماح للقوات الألمانية بالتراجع الآمن، وبالعودة إلى الدعم الألماني لليهود في (فلسطين ) فقد استغل القيصر (فيلهلم الثاني ) قيام الحرب العالمية الأولى وانشغال الدولة العثمانية في مذابح الأرمن، وقامت بدعم وحماية المستوطنات اليهودية الناشئة في (فلسطين ) حتى بلغ عدد المستوطنيين أثناء الحرب العالمية الأولى 85 ألف مستوطن. أما الدولة العثمانية فقد كانت على استعداد بقبول أي وضع وقطع أي وعد حتى وإن كان يتعلق بحماية اليهود في (فلسطين )، طالما أن ذلك يضمن لها أن تبقى (فلسطين ) تركية بعد انتهاء الحرب.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان