إن (لودفيج فتجنشتين) هو أحد أهم الفلاسفة المعاصرين في العصر الحديث، ركزت فلسفته على الأفكار واللغة والعلاقة بينهما، وقد كان يسعى إلى أن تصبح الفلسفة واللغة وسائل توضيح الأفكار بأبسط طريقة ممكنة.
ولد (لودفيج فتجنشتين) في 26 أبريل عام 1889 م في (فيينا)، كان الطفل الثامن والأصغر في أسرته، وقد كان والده يهوديًا اعتنق البروتستانتية بينما كانت أمه كاثوليكية، وقد تم تعميد (فتجنشتين) نفسه في كنيسة كاثوليكية. كان والده فاحش الثراء لمكانته وشخصيته القيادية في صناعة الحديد والصلب فقد كان يلقب بلقب (كارنيجي النمسا) نسبة إلى (أندرو كارنيجي) الذي جعل بلاده (الولايات المتحدة) رائدة لتلك الصناعة بفضل مصانعه الموجودة بها، وقد عاش (فتجنشتين) في بيت يعشق الموسيقى ويتردد عليه العديد من العازفين المشهورين.
ولم يكن والد (فتجنشتين) يرغب في إرسال أبنائه إلى المدارس حتى لا يتعلمون العادات السيئة لذا فقد تعلّم (فتجنشتين) مثل شقيقاته وأشقائه تعليمًا على يد معلمين خصوصيين ومربيات، ولأنه لم يكن يملك مواهب في الرسم والموسيقى مثل بقية إخوته وأخواته، اعتقد والداه أنه يجب إرساله إلى المدرسة وقد تم إرساله إلى مدرسة غير أكاديمية في (لنتس) وهو في سن الرابعة عشر، وقد كان (أدولف هتلر) حينها في المدرسة ذاتها، والحق أن (فيينا) في تلك الفترة التي عاش فيها (فتجنشتين) كانت مركزًا للأفكار والحياة الثقافية، فقد كانت مسقط رأس المحلل النفسي (سيجموند فرويد) والموسيقي (آرنولد شوينبرج) ومن المفارقة أنها كانت أيضًا مصدر لأفكار خطرة مثل صهيونية (تيودور هرتزل) ونازية (أدولف هتلر).
عندما أصبح (فتجنشتين) في سن السابعة عشر، ذهب إلى (برلين) لدراسة الهندسة الميكانيكية في (الأكاديمية الصناعية العليا) التي كانت في ذلك الوقت أشهر مدارس الهندسة في (ألمانيا)، وقد درس بها (فتجنشتين) وحصل على دبلومًا في الهندسة، لكن اللحظة الفاصلة في حياته التي تمكنت من توجيه فكره مباشرة نحو الفلسفة هي ذهابه إلى (مانشستر) في (إنجلترا) في عام 1983 م كطالب في الهندسة حيث أصبح مشغولاً بالملاحة الجوية وإجراء تجارب على الطائرات الشراعية وغيرها من الأبحاث التي قادته في النهاية إلى دراسة أسس الرياضيات، ثم دراسة الفلسفة والمنطق حتى أنه سرعان ما قام بكتابة كتاب عن أسس المنطق والرياضيات وقام بعرضه على الفيلسوف الألماني وعالم الرياضيات العظيم (جوتلب فريجه) الذي نصحه أن يذهب إلى جامعة (كامبريدج) ويدرس لدى الفيلسوف (برتراند راسل).
كان (برتراند راسل) محاضرًا في المنطق الرياضي في كلية (ترنتي) بجامعة (كامبريدج)، وقد ذهب (فتجنشتين) إلى هناك للدراسة على يد (راسل) لكن تلك العلاقة سرعان ما تحولت من علاقة بين تلميذ وأستاذه إلى علاقة بين فيلسوفين عظيمين، حيث سرعان ما أدرك (راسل) العبقرية الكامنة لدى (فتجنشتين) إلى الحد الذي أصبح معه (راسل) يستشير (فتجنشتين) في كتاباته وكأن ذلك الأخير هو أستاذه وليس العكس، وقد عرض عليه (راسل) كتابًا عن نظرية المعرفة لكن (فتجنشتين) وجه للكتاب انتقادات جذرية إلى الحد الذي دفع (راسل) للتخلي عن فكرة الكتاب بل وترك الكتابة عن أساسيات المنطق بأكملها لـ (فتجنشتين)، وقد كان سعى (فتجنشتين) للكتابة في المنطق جديًا إلى الحد الذي جعله يرغب في الذهاب إلى (النرويج) عام 1913 م على الرغم من محاولات (راسل) منعه عن ذلك.
لكن تلك العزلة قد أتت بثمارها وتمكن معها (فتجنشتين) من تدوين سلسلة من الملاحظات عن المنطق، وقد كان الفيلسوف (جون مور) الذي كان محاضرًا للفلسفة في كلية (ترنتي) قد أصبح صديقًا لـ (فتجنشتين) وزاره أكثر من مرة في عزلته، وقد اقترح على (فتجنشتين) أن يقدم تلك الملاحظات كبحث لدرجة الليسانس، لكن (مور) بعد عودته إلى (كامبريدج) وجد أن اللوائح تتطلب أن يحتوي البحث على مقدمة ومراجع فكتب إلى (فتجنشتين) يخبره بذلك، لكن (فتجنشتين) رد على (مور) برسالة تستشيط غضبًا وبنبرة حادة ومهينة بعض الشيء، ولم يرد (مور) على تلك الرسالة وكذلك لم يحصل (فتجنشتين) على درجة الليسانس، وقد توفي والده عام 1913 م تاركًا له ثروة هائلة لكنه قام بتبديد جزء كبير منها على شعراء وفناني (النمسا)، وتنازل عن بقيتها لأخوته وأخواته ليموت في النهاية في فقر مدقع.
كان (فتجنشتين) منذ فترة مراهقته يفكر كثيرًا في الموت، ويشعر أنه سوف يموت باكرًا وربما لذلك أراد أن يقف أمام الموت وجهًا لوجه وأن يقترب منه كي يثبت فكرته تلك أوعلي حد تعبيره "ربما يعطيني اقتراب الموت ضوء الحياة."، لذا فمع قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914 م التحق بالجيش النمساوي كمتطوع، ولم يكتفِ بتلك الخطوات الجريئة التي جعلته في مواجهة الموت مباشرة بل كان يطلب أن يوضع في المكان الأشد خطورة في محطة المراقبة على الجبهة حيث كان يستطيع أن يعاين ويستطلع أسلحة العدو، أما في نهاية الحرب عندما كان هناك 300 ألف جندي نمساوي أسرى عند الإيطاليين من بينهم (فتجنشتين) وعلى الرغم من أن أسرته قد سعت إلى إخراجه، فقد رفض (فتجنشتين) أن يرحل إلى أن يتم الافراج عن آخر جندي!
كانت الأمراض والجوع قد انتشرت بين الجنود الأسرى ومات حوالي ثلاثين ألفًا منهم، وعلى الرغم من تلك الأحداث لم يفكر (فتجنشتين) في القبول بمساعدة أسرته له على الخروج من هناك، بل اندفع أكثر وأكثر لمواجهة الموت فحين سمع بأمر انتشار مرض التيفود في المعسكر الآخر للأسرى طلب أن ينتقل إلى هناك!، وقد كان (فتجنشتين) في ظل قسوة الظروف ووحشية الحرب ومن بعدها الأسر يواصل تأملاته عن المنطق ويدون ملاحظاته عنها حتى تمكن من الانتهاء من كتابه (رسالة منطقية)، وقد أرسله إلى عدة ناشرين لكنهم رفضوه من بينهم مطبعة جامعته (كامبريدج) حتى تمكن في النهاية من نشره عام 1922 م بمساعدة (راسل) ولم يتقاضى شيئًا من حقوق التأليف ولا حتى من النسخ التي بيعت، وقد كان كتابًا صغير الحجم يضم ملاحظات عن كثير من الأشياء كماهية اللغة وطبيعة العالم وطبيعة المنطق والرياضيات والفلسفة.
بدأ (فتجنشتين) حديثه في الكتاب عن طبيعة العالم وقال أن العالم هو مجموع الحقائق (أو الوقائع) وليس مجموع الأشياء، فعلى سبيل المثال لا يمكننا القول أن الكرسي أو الشجرة هما العالم لأنهما ليست أشياء مستقلة عن الأشياء الأخرى التي توجد حولهم وعليه فإن الوقائع هي التي من شأنها أن تحدد طبيعة العالم من حولنا كأن نقول مثلاً "أن هناك مقعد في الحجرة"، ولا تقتصر طبيعة العالم على وجود الأشياء فقط بل يتضمن كذلك عدم وجودها كأن نقول أنه "لا يوجد فرس البحر في الغرفة"، أي أن طبيعة العالم تتضمن حتى تلك الوقائع التي يمكن أن نصورها لأنفسنا.
أما عن طبيعة الفلسفة فقد أوضح (فتجنشتين) أنها توضيح الأفكار وإخراجها من الحدود الضيقة للغة ومعانيها، بينما نجد العلم على النقيض من ذلك فهو يعمل أساسًا داخل اللغة ومعانيها فإذا سألت عالم عن إحدى الأفكار أو المعلومات الغامضة فإنه يستخدم اللغة لتوضيحها، بل والبرهنة عليها، فعلى سبيل المثال حين تسأل عالم الكيمياء عن طبيعة وتكوين الماء فإنه سيجيبك بكل يقين وثقة ومن خلال اللغة أنها أكسجين وهيدروجين، كذلك ناقش (فتجنشتين) الذات وطبيعتها، وقد أوضح أنه لا يمكن فصل الذات عن الأفكار الخاصة بها فلا يوجد مفكر بمعزل عن الفكرة والعكس صحيح، كما أنه لا يوجد ذات بمعزل عن لغة للفكر تضفى معنى على ما تراه وما تفكر فيه.
بعد انتهاء الحرب، قرر (فتجنشتين) العمل في التدريس؛ فأصبح يدرس للأطفال في قرى (فيينا) الريفية لكنه لم يكن محبوبًا من القرويين، لأنه على الرغم من مواهبه في التدريس فقد كان عنيفًا على الأطفال وكان من الممكن أن يجذب الفتاة من شعرها إذا لم تستطع إدراك أساسيات الجبر، وفي عام 1926 م قرر التوقف عن التدريس فتنفس القرويون الصعداء، ولم تكن الفترة التي قضاها في التدريس قد أبعدته عن الفلسفة فقد كان على اتصال بالعديد من الفلاسفة الذين اهتموا بكتابه (رسالة منطقية) والأفكار الواردة به.
كان من بين هؤلاء المفكرين والفلاسفة؛ المفكر والاقتصادي الماركسي (بيرو سترافا) الذي أثر كثيرًا في أفكار (فتجنشتين) عن اللغة ورؤيته لها، ونتيجة لتلك المناقشات وغيرها بدأ (فتجنشتين) بعد عام 1928 م يرى بعض العيوب الأساسية في كتابه، وقد كانت تلك هي الطريقة التي يتعامل بها (فتجنشتين) مع كافة كتاباته وليس مع كتابه (رسالة منطقية) فحسب؛ فقد كان يغير من نصوصه باستمرار ويعيد صياغة ملاحظاته ويضعها في سياقات جديدة ليختبر معناها، وعندما يصل إلى نهاية ما يكتبه فإنه كثيرًا ما يعود ليبدأ كل شيء من جديد مرة أخرى.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان